مجلة زا ميوز العدد الثاني

يأتيكم العدد الثاني من مجلة زا ميوز بموقف ثابت لا عن ذاكرة ولا أرشيف السلطة الرسمي، بل عن أرشيفاتنا المجتمعية. نرى بعينه ان هذه التجربة المتواضعة نفسها كممارسة ارشيفية تتأمل وتفكر عن مساحات الذاكرة، الأرشيفات الجماعية، والابداعية، وغير التقليدية، داعية القراء للتفاعل مع الأرشيف كممارسة إنتاج اجتماعي وإبداعي ونهج جماعي، وليس كمادة نهائية غير قابلة للمساءلة أو التفاعل معها.

المحرر المستضاف: سارة حاج الحسن مع حسان الناصر وريم الجعيلي.

غلاف المجلة: رندا سهيل

عن التوثيق والأرشفة

كلمة فريق التحرير

اعزاءنا القراء،

لا شك أن بعضنا قد شاهد أو عثر على حقيبة حديدية تشبه الصندوق، تحتوي على قسمين، وكانت تُستخدم في الأسفار والترحال. وبما أن الجميع كان يحتاج إليها، فقد كانت تشكل جزءًا أساسيًا من مقتنيات المنازل في الماضي. كان المسافر يضع جميع أغراضه في هذه الحقيبة ويغلقها باستخدام قفل مصمم خصيصًا لها، مشابهة للأقفال المستخدمة اليوم.

مع مرور الزمن، تحولت هذه الحقيبة إلى رمز في سياق الترحال والتغني به. ففي قصيدته، يقول الشاعر محمد طه القدال: "شايل معاي ... شنطة صفيح". وبينما كانت في البداية مجرد أداة للسفر، أصبحت تمثل رمزية الترحال. ورغم مرور عقود على استخدامها، فقد تحولت هذه الحقيبة إلى أرشيف للذكريات، تحتفظ بها الأسر في مخازنها أو ضمن مقتنياتها في المنازل الريفية القديمة.

تمثل هذه الحقيبة أرشيفًا اجتماعيًا مهمًا يساهم في بناء نسق مغاير لطبيعة تشكيل الذاكرة الاجتماعية وكتابة التاريخ، سواء من خلال السرد الشفهي أو التسجيل كنصوص أدبية. عند التمعن في حقيبة السفر، نجد أنها ترتبط بالذاكرة الاجتماعية عبر محطات القطار، والمؤسسات التعليمية، والمدن، والشخصيات أيضًا. تظهر هذه المساحة كفضاء منزوع من السلطة الرسمية، التي تعمل على تدوين التاريخ وإعادة بنائه وفق سرديات محددة، وأرشفته بناءً على تصورها للتاريخ والمجتمع. كما تسهم في تحديد الشروط التي تعيد إنتاج ماضي وحاضر ومستقبل الأفراد.

إذا كان الفن فعلًا إبداعيًا يقوم على أساس الوعي، فإن التقاليد والعادات والطقوس التي يمارسها المجتمع عبر تاريخه الطويل, من الممارسات الاجتماعية يمكن أن نعتبرها أرشيفًا حيًا يوثق ويؤطر المعرفة التي يحملها هذا المجتمع.

يأتيكم العدد الثاني من مجلة زا ميوز بموقف ثابت لا عن ذاكرة ولا أرشيف السلطة الرسمي، بل عن أرشيفاتنا المجتمعية. نرى بعينه ان هذه التجربة المتواضعة نفسها كممارسة ارشيفية تتأمل وتفكر عن مساحات الذاكرة، الأرشيفات الجماعية، والابداعية، وغير التقليدية، داعية القراء للتفاعل مع الأرشيف كممارسة إنتاج اجتماعي وإبداعي ونهج جماعي، وليس كمادة نهائية غير قابلة للمساءلة أو التفاعل معها. نعرض لكم ان في مداخلتنا هذه لمحة من النصوص النثرية، والنقدية، والفنية، والشعرية، ووجب القول إن هذه المختارات ليست بأي حال تمثيلا شاملا للمساهمات القيمة التي يحتويه العدد، بل تهدف إلى تقديم لمحة عن الموضوعات المحورية التي يعالجها هذا الإصدار.

دفعنا اندلاع الحرب في أبريل ٢٠٢٣ في السودان إلى تخصيص مساحة لاستضافة مساهمات توثق تجربة الحرب من خلال وسائل ووسائط متنوعة، بما في ذلك الفنون البصرية، التصوير الفوتوغرافي، والكتابة.

تعكس هذه الأعمال تأثير الحرب-ليس فقط على الحياة المساهمين الشخصية ولكن أيضا على المشهد الفني والممارسات الأرشيفية. نتعلم ونتساءل، ماذا تعني معايشة الصراعات وكيف نوثق لأزمنة مضطربة؟

حقيبة معدنية، متحف علي المبيرك، فبراير ٢٠٢٠م

من بورتسودان، نتعلم عن تجربة ومواجهة تعقيدات البقاء، حيث تحول مركز فني إلى دار ياوي الفنانين النازحين خلال حرب ابريل ٢٠٢٣. وفي سياق اخر، يظهر الحفاظ على الأرشيف كفعل بطولي، كما يتضح من الجهود المبذولة من موظفي أرشيف ولاية وسط الاستوائية خلال الحرب الأهلية الثانية في جنوب السودان. بالنسبة للآخرين، أن نعيش في أزمنة الحروب يعني ان توثيق لتجاربنا وذكرياتنا، وان نعيد سرد قصصنا، وأن نلتزم بالتذكر كفعل مقاوم للمحو المتعمد.

في سياق البحث عن أرشيفات بديلة ومناهضة للهيمنة، يتناول هذا العدد موضوعات الانتماء، والروابط العائلية، والقرابة. الروابط العائلية، في هذا السياق، لا تَعرّف بالضرورة من خلال الدم، بل يمكن أن تتجسد من خلال طقوس موروثة، أو منزل، أو رسالة ورقية (كما تتناول استكشافات خالد العربي، دنان الأسد، و أسامة عمر). الأرشيف في هذه العدد لا يقتصر على توثيق تجاربنا الخاصة فقط، فبالنسبة لفنانين مثل حسن موسى، وصديق حيدر، و موفق الصادق، فإنه يشكل فرصة للتفاعل مع فن الآخرين، من خلال تقديم نقد بناء يتمثل، ببساطة، في أن نرى غيرنا، تمثل مثل هذه الممارسات التوثيقية-مهما كانت صغيرة-أفعال مقاومة وإظهار للرفقة والتشاركية الفنية.

ثريا صالح تتناول ديناميات السلطة والسيطرة من خلال نقد دور التصوير الفوتوغرافي في تشكيل السرديات التاريخية، بينما يعكس عوض مسعود تجربته مع الرقمنة من داخل الأرشيف الوطني. كما تعد العمارة والمدن جوهر الأرشيفات، حيث يقدم لنا الجانب المادي/الملموس-سواء في حالتي البناء أو التدمير-موقعًا أرشيفيًا حيًا، يمكن أن يوثق لسياسات الدولة الخارجية كما تصف مجموعة السودان الحديث.

محطة قطار عطبرة، سهام عباس، عبر مجموعة "هل تتذكر السودان"

مجموعة السودان الحديث تصف العمارة كمواقع توثق السياسة الخارجية للبلد. بينما تركز الممارسات الأرشيفية التقليدية غالبًا على توثيق الماضي والحاضر، فإننا نسلط الضوء على عمل… محمد عبد الباسطالذي يعكس فنه إعادة التخيل كممارسة أرشيفية.

هذه الفقرات القصيرة تقدم لمحة فقط عن الموضوعات المميزة التي ستجدونها بين هذه الصفحات. بفضل التنوع في وجهات النظر والجهود الإبداعية لمساهمينا، أضفت محاولاتهم الدؤوبة في التصور، والكتابة، والتأمل في تشكيل هذه النسخة من مجلة زا ميوز عن التوثيق والأرشفة. نشكرهم بعمق ونتمنى لكم قراءة ممتعة!

 

حسان وسارة.

عن المحرر المستضاف:

سارة حاج الحسن

سارة حاج الحسن باحثة مكانية متعددة التخصصات ومحررة مقيمة في القاهرة. تجمع أبحاث سارة بين الإثنوغرافيا والأدوات الجغرافية المكانية والخرائط المضادة لدراسة صراعات السكن والأراضي والعنف المكاني في السودان. يركز عملها الأخير على تدمير المنازل بشكل متعمد وتقاطع ذلك مع الحروب، والعسكرة الحضرية، والشرطة المجتمعية في سياق الخرطوم.

ماذا ستجد في هذا العدد من المجلة:

ﺣﺴﺎن ﻋﻠﻲ أﺣﻤﺪ وﺳﺤﺮ اﻟﻨﻮﺑﻨﺔ اﻟﺨﻔﻲ
من أرشيف د. حسن موسى
تأثير حركة الفن بالحرب
متوكل الحاج
قبة الشيخ
خالد حمزة
ملجأ العابرين
مظفر رمضان
شباب حاضرين في مناطق النزاع
إسراء الريح
جنوب السودان: حيث تصارع الذاكرة للبقاء
بطرس نيكولا
الأعراس في السودان - جو التسعينيات
رندا سهيل
نصف أسود ووردي أيضا
رزاز سيف
المدينة كما بدت/كانت
هند سورج
الرسالة #٢٢
دنان الأسعد
العمارة كأرشيف: توثيق التراث العمراني الحديث في السودان
مجموعة السودان الحديث
استيديوهات التصوير خلال التسعينيات وأوائل الالفينات
آية سنادة
حول اللامكانية
ريان خليل
حي الصافية
سارة عثمان
عن الراحل عثمان الأمين شبر
صديق حيدر
ابواب الخرطوم
صديق حيدر
التصوير في السودان: أداة للتحكم في السرديات التاريخية
ثريا صالح
إعادة ابتعاث شعر الدرويش
موفق الصادق
من ابن الطيب إلى الصالح
عمر الطيب
رﺣﻠﺘﻲ ﻓﻲ الإرث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ للأرﺷﻴﻒ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﺴﻮداﻧﻴﺔ
عوض مسعود
ست مريم
خالد العربي وآية الجنيد
أول تجربة حرب أخوضها
إسلام بشرى
كنوز ورقية
أسامة عمر
إعادة تخيل البومات الموسيقى السودانية
محمد عبد الباسط